حقائق صادمة تعرفها لأول مرة عن خير الدين بربروس
وعلاقته بالدولة العثمانية
(القصة كاملة)
لاشك ان صفحات التاريخ قد ضمت في ثناياها أبطالا عظاما، يحق للانسان المسلم ان يفتخر بهم ويسعد بالانتماء إليهم ومن هؤلاءالقائد البحري فخر الدين بربروسا او بربوس واخوتهم الذين جعلوا البحر الأبيض المتوسط بحيرة عثمانية لا يقوى احد على الإبحار فيه إلا بإذنهم.
تبعا لذلك فسجل الدولة العثمانية مليئ بأبطال أشاوس بذلوا التضحيات الجليلة في سبيل الله والوطن، ومن أجل رفع الظلم عن المسلمين الذين عانوا الأمرين من لدن الجيوش الصليبية عقب سقوط خلافة بني العباس مروراً بعهد حكم المماليك والفاطميين، حيث عمت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في العالم العربي والإسلامي حتى بداية قيام الدولة العثمانية سنة 678 للهجرة، ومن هؤلاء الأبطال الذين وجدوا في هذه المرحلة القائد فخر الدين بربروسا أو بربروس وكلمة بربروسا تعني "ذا اللحية الحمراء" باللغة اللاتينية، ونظر لكون هذا البطل علامة مشرقة في تاريخ المسلمين فقد سعت السينما الغربية بقوة إلى تشويه صورته وتحريف سيرته بشكل كبير من خلال العديد من الأفلام والمسلسلات التي انتجتها هوليود خاصة والتي أظهرت هذا البطل الإسلامي على أنه قرصان شرير يجوب البحار وقاطع طربق.
لدرجة أنه لو ذكرنا اسم بربروسا لوقع في مخيلتنا صورة ذلك القرصان الشرير ذي العين العوراء والقدم الخشبية واليد المصنوعة من حديد، متناسين سيرة هذا القائد المسلم الذي خاض الكثير من الحروب العظيمة في مواجهة الجيوش الصليبية الظالمة والتي كانت تخوض حروب مقدسة برعاية من بابا الكنيسة الكاثوليكية ضد المسلمين خلال العصر الوسيط، وقد ذاع صيت هذا البطل المغوار في عهذ السلطان العثماني سليم الأول، وذلك بعد نجاحه بالكثير من المهمات الصعبة التي كلفه بها والتي سنتحدث عنها في هذا المقالة حيث يعد أبرز هذه المهمات انقاذه مجموعة كبيرة من مسلمي الأندلس من محاكم التفتيش الإسبانية العنصرية، إثر سقوط الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس وصولاً إلى إنقاذه لفرنسا إثر سقوط ملكها فرانسوا الأول بقبضة ملك إسبانيا شارلكان داخل ميناء طولون الشهير المطل على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.
ولادة القائد خير الدين بربروس ونشأته:
كانت ولادة خضر بن يعقوب ٱغا أو ما صار يعرف بلقب خير الدين بربروس سنة 1478 م في جزيرة لسبوس اليونانية أو ما كانت تعرف باسم مدللي في العهد العثماني والتي كانت تابعة لولاية الأرخبيل أبان حكمهم، كان وأبوه من فاردار وقد كان يشتغل جنديا انكشارياً وذلك نسبة لعمله في الفرقة الانكشارية وهي فرقة عسكرية عثمانية مكونة من جنود المشاة وقد عُرِفت بالقوة وشدّة البأس في المعارك ، أما والدته "كاتالينا" فقد كانت مسيحية وتقول بعض المصادر التاريخية أنها كانت أرملة لأحد القساوسة النصارى، وعموما فإن له أربعة إخوة هم على التوالي أكبر منه هم إسحاق، وعروج، وإلياس، ومحمد، وقد نشأوا نشأة إسلامية قويمة فعكف أحد أشقائه إلى تعلم القرآن الكريم ودراسة علوم الدين، في حين كان لخير الدين بربروسا ولع كبير بركوب البحار فأقتنى هو وأخوه عروج مراكب بحرية وعملوا بالتجارة قبل دخولهم إلى الميدان العسكري.
إنجازات القائد خير الدين بربروس وحروبه:
لدى القائد بربروسا سجل حافل من الإنجازات والانتصارات التي دونها التاريخ بماء من ذهب على الرغم من اختلاف العديد من المؤرخين في ذلك على اختلاف توجهاتهم، ومن ابرز المعارك التي خاضها فتح الجزائر وتأمينها من هجمات الإسبان مروراً معركة بروزة البحرية التي انتصر فيها على الاسطول الأوربي المؤلف من 600 قطعة بحرية وأسر ما يزيد عن 3000 آلاف مقاتل دون خسارة أي قطعة عثمانية وصولاً لحصار نيس و العسكرة داخل ميناء طولون، بينما الحدث الأكبر بحياة بربروسا بنظر الكثيرين تلبية نداء الأندلسيين المسلمين لإنقاذهم من حملات الإبادة الإسبانية، حيث كان لبربروسا موقف مشرف تجاه مسلمي الأندلس الذين كانوا يعانون من الاضطهاد والتميز العنصري في أقسى صوره على يد الكنيسة الكاثوليكية واتباعها إثر سقوط دولة الأندلس الإسلامية سنة 897 للهجرة الموافق لسنة 1492 للميلاد، حيث اعتمدت مبدأ التطهير العرقي للقضاء على المسلمين فيها، وذلك بعد أن أعطى ملك اسبانيا فريداند وزوجته ايزابيلا وعود كثير لملك الاندلس محمد الثاني عشر قبل استسلامه بعدم التعرض للمسلمين.
وسرعان ما نكث الإسبان بالعهد وبدأت للكنيسة الكاثوليكية بفعل ما تشاء بحق مسلمي الأندلس الذين سقتهم الويلات، فقد عمدت إلى قتلهم وتعذيبهم داخل معتقلات مظلمة تحت الأرض عرفت بمحاكم التفتيش، والتي بدورها بدأت بارتكاب الفظائع والجرائم التي لا تعد ولا تحصى بحق المسلمين، من قتل جماعي وتشريد واعتقال وحرق للممتلكات وخاصة الكتب والمكتبات ، ويذكر المؤرخين بأن محاكم التفتيش أجبرت آلاف الأندلسيون على ترك الإسلام والدخول بالدين النصراني، كما أجبرتهم على حرق ما يملكونه من نسخ للقرآن الكريم والكتب الإسلامية والعربية بمختلف المجالات، والتي كانت تعتبر بمثابة كنزٍ لا يقدر بثمن يتفاخر به الأندلسيون، وعموما فإن آلاف المسلمين قد قتلوا أثناء الحملات الكاثوليكية في حين نجح آخرون بالهروب إلى دول شمال إفريقيا والقسم الأكبر منهم بقي عالقاً تحت رحمة محاكم التفتيش العنصرية، وبعضهم اظهر التنصر واخفى إسلامه وهؤلاء يعرفون لدا المؤرخين بالمورسكيين.
في هذه الأثناء كان عروج بربروسا شقيق القائد خير الدين قد ذاع صيته في البحار وبدأت دولته الفتية التي اسسها في الجزائر تنمو وتتوسع بشكل ملحوظ، لاسيما بعد نجاحه بطرد الاسبان من السواحل التي احتلوها شمال إفريقيا كما نجح بضم مصر إلى دولته وبعث برسالة للسلطان العثماني سليم الأول يعلن فيها عن ولائه وطاعته لدولة الخلافة العثمانية.
عندها استشعر الاسبان خطر الدولة الفتية فأعدوا حملة ضخمة مكونة من 15 ألف مقاتل للقضاء عليها، وبالفعل تمكنوا من التوغل داخل الجزائر وحاصروا مدينة تلمسان التي كان يتحصن فيها الحاكم عروج وتمكنوا من قتله برفقة شقيقه إلياس سنة 1518 للميلاد، فأقترح وجهاء الجزائر على القائد فخر الدين خلافة شقيقه الأكبر وأصبح بذلك حاكماً لولاية الجزائر العثمانية.
على أثر ذلك طلب السلطان سليم الأول من بربروسا إنقاذ مسلمي الأندلس فأبحر من أقصى الشرق في تركيا إلى أقصى الغرب في الأندلس لمحاربة الجيوش الصليبية (الإسبانية، والبرتغالية، والإيطالية، وسفن القديس يوحنا). وبالفعل نحج في اختراق حصون الصليبين والسيطرة على مدن غرب الأندلس، و تمّ نقل 70 ألف مسلم أندلسي في أسطول مؤلف من 36 سفينة، في سبع رحلات في عام 1529، وتم تأمينهم في الجزائر وتوطّنوا فيها.
التحالف العثماني الفرنسي:
بعد أن انتصر إمبراطور الإمبراطورية الرومانية وملك إسبانيا شارلكان على ملك فرنسا آنذاك فرانسوا الأول وأسره إثر معركة بافيا سنة 1525 للميلاد وإجباره على توقيع اتفاقية مدريد المذلة للفرنسيين والتي قدوا فيها الكثير من التنازلات لصالح الإسبان، بعث فرانسوا الأول برسالة استغاثة للسلطان العثماني آنذاك سليمان القانوني يطلب فيها منه إنقاذه من عدوهم المشترك شارلكان، وجاءه الرد على طلبه من السلطان العثماني سليمان القانوني برسالة مطولة مما جاء فيها، بعناية حضرة عزة الله جلّت قدرته وعلت كلمته، وبمعجزات سيد زمرة الأنبياء، وقدوة فرقة الأصفياء محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الكثيرة البركات، وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة، أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وجميع أولياء الله.
أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين، أنا متوج الملوك، ظلّ الله في الأرضين، أنا سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملّى وقرمان الروم، وولاية ذي القدرية، وديار بكر وكردستان وأذربيجان والعجم والشام ومصر ومكة والمدينة والقدس وجميع ديار العرب والعجم وبلاد المجر والقيصر وبلاد أخرى كثيرة افتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر ولله الحمد والله أكبر.. أنا السلطان سليمان بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد.. إلى فرانسيس ملك ولاية فرنسا.
وعلى اثر ذلك تم عقد تحالف مشترك بين فرنسا والدولية العثمانية على الرغم من اعتراض الكنيسة وتسميته من قبل الكاثوليك بالتحالف الأثيم، لكن لملك فرنسا كان له رأي آخر فقد وقع خيار فرانسوا في طلبه للنجدة على السلطان العثماني لكثير من الأسباب أهمها أن الدولة العثمانية في ذاك الزمان كانت تعتبر أقوى دولة في العالم وكانت بأوج ازدهارها إبان حكم السلطان سليمان القانوني والذي لقبه الغرب بسليمان الرائع، لذلك كأن يأمل بتحقيق الكثر من المكاسب على حساب الإسبان.
وفي عام 1543 أمر السلطان العثماني سليمان القانوني القائد خير الدين بربروسا بالإبحار إلى فرنسا بأسطول قوامه 100 سفينة و30 ألف جندي لمساعدة الفرنسيين بتحرير مدينة نيس من أساطير دوقية سافوي الموالية لشارلكان، وقد نجح بربروسا من تحرير المدينة والانتصار على جيوش الرومان والإيطاليين. وإثر هذا الانتصار العثماني الكبير عرض ملك فرنسا على بربروسا إقامة قاعدة عثمانية في ميناء طولون الفرنسي المطل على البحر الأبيض المتوسط لحماية فرنسا من هجمات الإمبراطورية الرومانية مقابل مساعدة العثمانيين بتحرير تونس، وقد قبل بربروسا العرض بعد أخذ موافقة السلطان العثماني وسرعان ما تحولت مدينة طولون إلى مركز عسكري ضخم للحملات العثمانية، واستمر التحالف العثماني الفرنسي ما يقارب ثلاثة قرون حتى إقدام نابليون على مهاجمة مصر والتي كانت تعتبر إحدى أراضي الدولة العثمانية منطلقاً من ميناء طولون نفسه الذي قدمه فرانسوا الأول للعثمانيين من أجل حماية فرنسا من الخطر الروماني.
ثم توفي القائد البطل خير الدين بربروس في اسطنبول سنة 1546.
وأنتم ما رأيكم في قصة البطل خير الدين بربروس ؟؟
تعليقات
إرسال تعليق